الثلاثاء، 16 أغسطس 2011


انتماء
منذ السنة الثالثة على وجه التحديد .. نشأت لدي عاطفة قوية نحو كليتي ( كلية الطب بجامعة أم القرى ) .. لا أذهب إلى مؤتمر علمي .. أو أي مكان يتجمع فيه طلاب طب من كليات أخرى إلا و أتكلم بكل فخر و أدافع عن كليتي الحبيبة .. كما لو كانت أحد ممتلكاتي الخاصة .. لا أدري ما سر هذه العاطفة ؟

بعد تفكير عميق .. تذكرت أنني في تلك السنة بدأت لدي عادة غريبة .. و هي إدمان مطالعة السير الذاتية لأعضاء هيئة التدريس .. لم يمر علي دكتور واحد لم أقرأ سيرته الذاتية عدة مرات على الأقل .. اكتشفت أن دكاترتنا كانوا على مستوى علمي رفيع .. تطورت العادة بعد ذلك .. أصبحت لا أكتفي بقراءة السير الذاتية .. بل أبحث عنهم في قوقل .. و أقرأ جميع مقالاتهم .. و ما يقوله المرضى عنهم .. أحببت قراءة مناقشات المرضى عن الدكاترة و هم يثنون عليهم و على رقي أسلوبهم في التعامل معهم .. أو يذمون في بعضهم تعاليهم و ترفعهم عن سماع شكواهم .. ( رسالة إلى الأطباء : تجاهلكم لمريض بسيط .. قد يدفعه إلى الحنق عليكم .. فيكتب عنكم في أحد المنتديات الشهيرة .. ليتناقل الناس الخبر في المنتديات بعد ذلك .. في غضون أيام ستكون سمعتكم في مهب الريح ) .. لم أكن أحضر المادة العلمية لليوم التالي بقدر تحضيري للدكاترة .. لا أتناقش هنا إن كان هذا سلوكا صائبا أم خاطئا .. فقط كنت أفعله ..

أيضا نقطة أخرى أخرى من الممكن أنها ساهمت في حبي لهذه الكلية .. و هي احتكاكنا المباشر بالإستشاريين .. و قربهم الكبير منا ..و  لكم أن تتخيلو كمية الخبرة و المهارة التي يكتسبها الطلاب من احتكاكهم المباشر باستشاريين على مستوى عالي من العلم و الأخلاق !!
الكثير من طلاب الجامعات الأخرى يشتكون من تغيب بعض الإستشاريين عن تدريسهم و انشغالهم بعياداتهم الخاصة .. نحن في أم القرى نتقابل يوميا في المستشفيات مع استشاريينا بل وصل في قسم النساء و الولادة على سبيل المثال .. استشاري لكل أربعة طلاب يناقشهم حالاتهم و يشرح لهم بطريقة مبسطة كيفية الوصول للتشخيص و يضع معهم الخطة العلاجية للمرضى .. ثم يقومون بعد ذلك بفحص المرضى  .. فقط أربعة طلاب و استشاري و ممرضة .. في احترام و مراعاة تامة لخصوصية المرضى ..
بالمناسبة لا يعجبني تكدس الطلاب أمام المرضى .. بعض الأحيان يتجمع قرابة العشرين طالبا لمشاهدة مريض واحد .. و المشكلة أن بعض الدكاترة يسرفون في شرح المعلومات النظرية على رؤوس المرضى .. المفترض أن نتعلم الفحص الجسدي في غرفة المريض ثم نكمل باقي المعلومات النظرية خارج الغرفة ..

لا أنسى أيضا المقارنات التي كنت أقوم بها مع أصدقائي .. بين أعضاء هيئة التدريس بكليتنا .. و بين أطباء وزارة الصحة .. في أغلب الأحيان كانت الكفة ترجح لصالح دكاترتنا .. لم نكن نقارن بينهم عبثا .. بل كنا نقارن بين تطبيقهم للأخلاقيات الطبية .. و كيفية تعاملهم مع المرضى ..

بمناسبة ذكر الأخلاقيات الطبية أحب أن أشيد بجهود الدكتور رائد جستنية في تثقيفنا أخلاقيا .. لا أزال أتذكر تلك الجرعة المكثفة من الأخلاقيات التي أعطانا إياها قبل دخولنا للمستشفى .. تناقشت معه ذات مرة على تركيزه على الأخلاقيات أكثر من المادة العلمية .. فأجابني بأنه يهدف لهذا ..  و قد أخبرنا بذلك في أول محاضرة ..
كان يستضيف دكاترة من شتى التخصصات ليناقشو قضايا أخلاقية .. إحدى المرات استضاف أحدهم ليتكلم عن المهنية .. و أخرى استضاف إستشاري أطفال ليتكلم عن العنف ضد الأطفال .. و ثالثة يستضيف أحد الدكاترة ليتكلم عن المسائل الشرعية و الفقهية في الطب .. و هكذا أصل فينا مفهوم الأخلاقيات الطبية بصورتها العلمية الحديثة .. لن أنسى قوله لنا ذات مرة : أريد طلاب طب أم القرى (إيثكس) أخلاقا تمشي على الأرض ..

بالنسبة لي شخصيا .. لا أفضل الدكاترة الذين يعطوننا الحقائق العلمية البحتة فقط و يكتفون بذلك .. أحب الدكاترة الذين يدمجون تلك الحقائق بقليل من الخبرة و التجارب .. و يهدون إلينا خلطتهم السرية في التعامل مع المرضى .. و يتوجون محاضراتهم ببعض من القصص و الحكايا الشخصية لنجاحاتهم الطبية أو إنجازاتهم الحياتية  .. باعتقادي أن المادة العلمية موجودة في المراجع العلمية .. و مواقع الإنترنت الموثوقة .. أيضا اليوتيوب مليء بشرح  المواضيع الطبية من دكاترة من مختلف أنحاء العالم .. لكن الخبرة و التجارب الشخصية ليست متوفرة بهذه السهولة .. و كما أن مهنتنا (الطب) .. تعتمد بشكل كبير على المعلومات و الأبحاث الحديثة .. فهي كذلك تحتاج إلى الكثير الكثير من الخبرة و فنون التعامل مع المرضى ..

و أود أن أختم بكلمة صغيرة عن الإنتماء .. أهمس بها في أذن قرائي الأعزاء .. الجامعة أحبائي ليست مركزا للتدريب نأخذ منه دورة و ننسى حتى اسم المركز بعد ذلك .. الجامعة اسم سيسطر في تاريخك للأبد .. و ستبقى دائما تحمل اسمها و تحمل اسمك ..
( حتى لو أكملت دراساتي العليا في أرقى جامعات العالم .. سأظل أفتخر دائما أنني خريج جامعة أم القرى J )

تنويه : لم أتكلم هنا عن السلبيات أو الإيجابيات .. و لم أقدم تحليلا نقديا .. كما لم أهدف إلى مقارنة كليتنا بالكليات الأخرى .. هي مجرد أحاسيس و انطباعات شخصية لطالب تجاه كليته ..

هناك 12 تعليقًا:

  1. عبدالعزيز الخوتاني16 أغسطس 2011 في 5:56 م

    ابني عبدالاله فخر لي ان اكون اول المعلقين وشكرا لك ابني لتجسيدك شعار المشروع القادم لكليتنا في بدايه العام القادم "كليتنا بيتنا" كليتنا الفتيه ولكن الكبيره بطلبتها المميزين كليتنا التي لديها اكبر عدد من المتخصصين في ادق التخصصات الطبيه من ارقى المراكز العلميه كليتناالفتيه الموقره التي قد قامت بتخريج الاف الاطباء للمجمتع منذ نشأتها وهم متسلحين بالمهارات الطبيه المهنيه على أعلى مستوى واداء علمي ومهني وهذا مما نلمسه في اداء خريجيها في المستشفيات داخل وخارج مكه المكرمه الى جانب ادائهم العالي والمتفوق في الاختبارات المهنيةالعالميه نعم نريد ان نسمع السلبيات لنعمل على اصلاحها فلسنا كاملين ولكن هكذا يكون الانتماء شكرا لك

    ردحذف
  2. شكرا عبدالاله على هذه التدوينة ، وشكرا على هذا الانتماء الرائع :)

    شكرا لذكرك الدكتور رائد جستنيه والذي اعتبره حقا من أكثر أعضاء هيئة التدريس (الذين عاصرت في جامعتين محليتين وجامعتين عالميتين) ولاء وانتماء لجامعته. ودائما في أحاديثنا شبه اليوميه (رغم أنني لم أتعرف على الدكتور رائد إلا قبل عامين) لايخلو حديث إلا ويذكر الجامعة والطلاب وأرى في عينيه دوما الرغبة تعزيز الانتماء في جميع الطلاب. أعتقد ومتأكد أن الدكتور رائد من أكثر أعضاء هيئة التدريس تدريسا (من حيث عدد المحاضرات التي يلقيها) وبالرغم من ذلك ، لم يمنعه ذلك من الإبداع وإضافة مقرر داخل مقرر وهو محاضرات المهنية والأخلاقيات الطبية داخل مقرر الطب الشرعي. ولا أنسى كيف يتواصل مع الجميع ليحرص على مشاركة أكبر عدد من أعضاء هيئة التدريس في إعطاء هذه المحاضرات.

    حقا ، الدكتور رائد من أعضاء هيئة التدريس المثاليين الذين أقتدي بهم ، فهنيئا لأم القرى هذا الرجل الغيور على مستقبلها وطلابها.

    ردحذف
  3. هنييييئا للدكتور / رائد جستنيه ، و هنيئا لكليتنا و جامعتنا بطلاب امثالك .

    و هنيئا لنفسي ايضا بصداقتك ^_^

    و تعقيبا على مقالتك ، يجب الا ننسى ، ان من اهم معززات الانتماء في نفوس البشر ، هي الشعور بالطمأنينه و الامان و الفخر تجاه الجهه المنشوده ، فأرجو منك في مقالات قادمه التطرق لسبل اخرى ، لكيفية تعزيز الانتماء تجاه اي منشود .

    ردحذف
  4. سلمت بمناك....
    اتمنى من صميم قلبي ان اتوصل انا وزملائي لجمال العاطفة التي لديك تجاه كليتنا....وفقك الله وسدد خطاك وبانتظار القادم

    ردحذف
  5. ماشاء الله .. إسلوب راائع ف الطرح .. كلماتك لها رونق مميز .. وفقك الله ف دراستك وزادك نورا وعملا ..

    أكمل نحن هنا :)

    ردحذف
  6. يسرى بندقجي17 أغسطس 2011 في 9:52 م

    شكرا جزيلا د.عبد الاله,,جميل ماكتبت حقيقة
    >>>اظن ان هذه متلازمة ,,وينبغي علينا دراستها في الحال,,,فلقد اصبت بما اصبت تماما ,,,كل اعضاء هيئة التدريس لابدمن قراءة السيرة الذاتيه للتعرف عليهم اكثر( وكنت اكره لما تكون الصفحة معطله او احد مو حاطط السيرة الذاتية الخاصة به)
    وزادتنا هذه المعرفة شرف على شرف ,,ماشاء الله وكما قلت صفوة الصفوه هم اساتذتنا

    ليلة البارحة كنا في مجلس عام ,,وتطرق الحديث عن المستشفيات والدكاترة وسوء العلاقة بين الطبيب والمريض , حتى قالت احداهن مستثنية ( الا دكتور في النور في قسم النسا والولادة .. وقبل ان تكمل قاطعتها قائلة الدكتور ياسر كاتب ؟ فاجابت بالايجاب,, كم كنت سعيدة بعدها بقولي لهم انني طالبته ,, وسبحان الله دائما ما يأتي على ذكر احد الاطباء في اختصاص دقيق او مسؤول عن حالة نادرة او تميز او تفوق علمي , او اخلاق ومهنية عالية ,,ويكون احد افراد ام القرى (وتكون جملتي الدائمة ( هادا/ي الدكتور/ة درسوني وانا من جامعة ام القرى)
    وبكل فخر
    شكرا لك مرة اخرى

    ردحذف
  7. أهنئك أخي الكريم و أهنئ جميع الأحبة على هذا الشعور و الانتماء إلى المكان الذي لازال و سيزال مرتعا للعلم و العمل ,, و مكانا لصقل شخصية طلابها و أساتذتها
    الكل يتعلم بعضهم من بعض ,,, و هذه الخاصية من أجمل ما تراها في كليتنا ,,, و تلاحظها بين طلبتها و أساتذتها ,,,

    أرجو ان نتعلم جميعا من مثل هذه المواضيع و نحاول ان نحسن من طرقنا في التعلم و التعليم
    و الرقي بمستوانا إلى أحسن المستويات
    لنكون جميعا اطباء محترفين بمعنى الكلمة

    ردحذف
  8. ابني الدكتور عبد الاله
    لا تتصور مدى سعادتي كل مرة أرى فيها أحد طلبتنا يمتلك موهبة جميلة تبشر بجيل واعد كموهبتك في كتابة هذه السطور القليلة ذات المعنى الكبير. انا كلي ثقة في الله ثم في طلابنا و طالباتنا بأنهم سيكونون افضل من جيلنا من كل ناحية و كم عارضت في المجالس من يقول أن الأجيال السابقة افضل من اللاحقة. أرجو الله ان يوفق كل مجتهد كالدكتور رائد و مثلك و جميع أبناءنا و بناتنا والله ولي التوفيق 

    ردحذف
  9. الأخوة والزملاء ... أعجبتني المدونة والتعليقات ... نحن فعلا في حوجة لتعلم وتعليم أخلاق المهنة قبل تعلم علوم الطب المجردة... نفع الله بكم

    عبدالله عثمان .. قسم الكائنات الدقيقة

    ردحذف
  10. أبدعت ماشاء الله ياعبد الإله في الكتابة حتى أصبحت أخجل من مدونتي مقارنة بمدونتك :)

    وإحقاقا للحق فأنت ماشاء الله مثال للطالب المحب لليته والمنتمي لها وأنت من أوائل من جعلوني أدرك قيمة الإنتماء ..

    كليتنا تسير في الطريق السليم وتحت أيد أمينة ، وإن شاء الله سنكمل تعليمنا لنعود لكليتنا ونواصل المسير لنكون قدر الإمكان خير خلف لخير سلف ..

    أحب أيضا أن أشيد بعميدنا الفاضل الدكتور عبدالعزيز الخوتاني الذي زرع فيّ شخصيا العديد من المفاهم المهمة ومنها مايتعلق بموضوعك اليوم (كليتنا بيتنا) و(المناصب تروح والعمل يبقى) فكان مثالا لي في كيفية التخطيط لمستقبل الكلية لتستمر في التقدم سنينا طويلة بإذن الله حتى بعد إنتهاء فترته ..

    أفخر بأني طالب في كلية الطب بأم القرى ، وأفخر بصداقتك ياعبدالإله :)

    ردحذف
  11. إن كنتم جميعاً تفخرون بكليتكم أم القرى ودكتوركم (رائد جستنيه) فأنا جاية أقولكم عبدالإله كان صاحبي في الروضة XP

    ردحذف
  12. أهلا بك صديقة الطفولة :) .. مفاجأة جدا رائعة أن أجدك في مدونتي .. لا زلت أتذكر الروضة السادسة .. ذكريات رائعة مضى عليها أكثر من سبعة عشر عام .. تفرقت بنا السبل و الدروب .. و شاءت الأقدار أن نلتقي هنا .. أشكرك على تعليقك الذي أبهجني .. و أتشرف بمتابعتك ^_^

    ردحذف